بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 أكتوبر 2010

حجية التسجيلات الصوتية المأخوذة دون إذن السلطات القضائية للحصول على براءة المتهم

هذه جزء من مذكرة مقدمة منا أمام النيابة العامة فى قضية موضوع الإتهام بها جناية سرقة بالإكراه , تم تلفيق الإتهام بها بحبكة عالية , فما كان من المتهمون إلا أن قاموا بالتسجيل للمجنى عليهم الذين إعترفوا بتلفيق الإتهام وذلك من خلال المساومة التى جاءت بهذه التسجيلات , حيث نسخت هذه التسجيلات على إسطوانة إلكترونية وقدمت للنيابة رفق مذكرة بالدفاع كان جزءها الثانى هو شرح لحجية هذه المذكرة وهو ماسوف أعرضه عليكم لاحقا , وقدمت أيضا فى بلاغ مستقل عن إرتكاب المبلغين لعدة جرائم فى حق المتهمين كان من بينها التحريض على إستعمال القسوة , وهذا الجزء المعروض عليكم جاء بالمذكرة المقدمة فى البلاغ المستقل المنوه عنه 0

علما بأن القضية الأصلية الخاصة بإتهام السرقة صدر بها قرار المحامى العام بألاوجه لإقامة الدعوى بتوفيق من الله عز وجل



المذكرة


- 000000000

-لما كان ذلك , وكانت المجنى عليها قد أتهمت بجريمة سرقة , وهى من الجرائم الماسة بالشرف والأمانة , والتى لو ثبتت عليها وهى بريئة منها لنالت من سمعتها وسمعة بناتها وأولادها ولإستوجبت إحتقارها بين أهلها وجيرانها 0

-وحيث أن دفع تلك التهمة عن المجنى عليها وكشف المخطط والشرك الذى وقعت فيه بتخطيط وتدبير المشكو فى حقهم , هو أمر من الصعوبة , إلا أنه من حقها إثباته بكافة الطرق حتى ولو إلتجأت لإرتكاب أفعال جرمها قانون العقوبات , وذلك عملا بحقها المكفول بنص المادة (69) من الدستور , ونصوص المواد ( 7 , 60 , 61 ) من قانون العقوبات , والتى سارت على نهج الدستور وبهدى منه 0

-إعمالا لهذا الحق وهديا به قامت إبنة المجنى عليها بإجراء تسجيلات تلفونية للمشكو فى حقه الرابع , وآخرون إحتوت تلك التسجيلات على إعترافات مفصلة على تلفيق الإتهام بالمحضر رقم 0000 لسنة 2009 جنح 00000وكيديته, وكشفت تلك الإتصالات والتسجيلات عن الإتفاق بين المشكو فى حقهم على حياكة المؤامرة التى دبرت للمجنى عليها وتلفيق الإتهام لها فى المحضر رقم 0000 لسنة 2009 جنح0000 0

التأصيل القانونى لمشروعية الدليل المستمد من التسجيلات التليفونية
والمقدم من المجنى عليها للنيابة العامة
منسوخا على إسطوانة إلكترونية مدمجة
ـــــــ

-لما كان الدستور والقانون قد أرسى قواعد حاسمة للحفاظ على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين , وتجريم إنتهاك تلك الحرمة , واضعا عقوبات رادعة , لكل من ينتهك أو يتعدى على حرمة المواطنين الخاصة , إلا أن ذات الدستور وذات القانون , عندما يضع قاعدة ملزمة فإنه يبتغى دائما صالح المجتمع , وإن كان النص يحمى صالح الفرد , تأسيسا على ذلك إستقرت القواعد القانونية والتفسيرية على أنه إذا تصادمت قاعدة قانونية تحمى مصلحة فردية , مع قاعدة قانونية تحمى الصالح العام , فإنه يتم إعمال وتغليب القاعدة الأسمى , وهى القاعدة التى تحمى صالح المجتمع 0

-وعلى ذلك فإن إنتهاك حرمة حياة خاصة لشخص , وإن كانت تبغى حماية شخصية لهذا الفرد , فإنه لايجوز أن تتعرض تلك الحماية مع غاية أسمى , وهى كشف الجريمة حفاظا على إستقرار المجتمع وحمايته من الجريمة وأثارها , كما يجب ألا تتعارض تلك الحماية مع مصلحة شخصية أخرى أجدر بالحماية , وهى مصلحة المتهم الذى يبحث عن براءته مع توافر ضرورة ألجأته لإنتهاك حرمة غيره 0

-وقد أخذ الدستور بهذا النهج حين أباح فى المادة (45) منه الحق فى مراقبة الإتصالات والبرقيات , والمراسلات البريدية , والمحادثات التليفونية بأمر قضائى مسبب , ونظمت المادة (95/1) من قانون الإجراءات الجنائية ممارسة هذا الحق 0

-والمطالع لنصوص قانون العقوبات يجد أن تلك النصوص قد أمسكت عن عقاب كل من إرتكب جريمة ألجأته إلى إرتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره , بل أعطت الحق فى إرتكاب أى جريمة دفاعا عن النفس , أو الشرف أو المال , حتى ولو وصل الأمر للقتل , سواء وقع العدوان على الشخص ذاته , أو غيره , بل إن القانون و الفقه قد عرف مايعرف بالجريمة السلبية , وهى محاكمة الشخص عن عدم الدفاع عن المجنى عليه رغم أنه كان فى مقدوره وإستطاعته الدفاع عنه وإنقاذه من الجريمة التى وقعت عليه 0

-وعلى ذلك فإن كانت التسجيلات المقدمة تمثل فى حد ذاتها جريمة طبقا لنصوص المواد 309 مكرر , 309 مكرر (أ) من قانون العقوبات و وذلك إذا ما أجريت هذه التسجيلات بطريقة مجردة هدفها التجسس والإبتزاز إنتهاكا لحرمة الحياة الخاصة للفرد , إلا أنه فى حالتنا هذه فإن هذه التسجيلات تمت بهدف درء ضرر وخطر محدق , وخطر جسيم على النفس تمثل فى إتهام ملفق بالسرقة سيؤدى حتما لتقييد حرية المجنى عليها بوضعها فى أحد السجون إضافة للإساءة لسمعتها وسمعة بناتها , وإحتقارهم عند الأهل والجيران 0

-وعلى ذلك فإن نصوص المواد 309 مكرر , 309 مكرر (أ) من قانون العقوبات , وإن كانت تهدف حماية خاصة للفرد , فإنه لايجوز إعمالها على الدليل المقدم من المجنى عليها بالمحضر الماثل , وذلك لإصطدامها مع قواعد قانونية أخرى أسمى منها وأعلى درجة تهدف لحماية المجتمع نص عليها الدستور فى المادة (69) منه , ورسخها قانون العقوبات بنصه على حق الدفاع الشرعى العام فى المواد 7 , 60 , 61 0

-فقد نصت المادة (69) من الدستور على أن ( حق الدفاع بالأصالة أو الوكالة مكفول ) 0

-ونصت المادة (7) من قانون العقوبات على أنه ( لاتخل أحكام هذا القانون بأى حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة فى الشريعة الغراء ) 0

-ونصت المادة (60) من ذات القانون على أنه ( لاتسرى أحكام هذا القانون على كل فعل أرتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة ) 0

-وتنص المادة (61) على أنه ( لاعقاب على من أرتكب جريمة ألجأته إلى إرتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل فى حلوله ولافى قدرته منعه بطريقة أخرى ) 0

-فالسلوك الإنسانى لايتصف بعدم المشروعية إلا إذا نص على ذلك صراحة بمقتضى نص تجريمى محدد لماهية هذا السلوك وعناصره , ولكن هذه الصفة الآثمة يعطلها وجود سبب يبيح هذا السلوك و بحيث ينتقل به من دائرة التجريم إلى نطاق الإباحة 000 وإذا كان من المقرر أن الأصل فى الأشياء الإباحة وأن الأصل فى الإنسان البراءة , فإن النص التجريمى المتقدم يعتبر إستثناء على هذا الأصل , ثم يأتى بعد ذلك سبب الإباحة لكى يعتبر إستثناء على هذا الإستثناء فيرد الفعل إلى أصله من المشروعية 0

-وإذا كانت أسباب الإباحة تعتبر الوجه السلبى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات , فإن النتائج المترتبة على هذا الأخير , وفى مقدمتها عدم جواز القياس وعدم التوسع فى التفسير , إنما تجد لها تطبيقا عكسيا تماما فى مجال الإباحة , حيث يجوز فى شأنها القياس , والتوسع فى التفسير بحسبانها الأصل العام للسلوك الإنسانى , وعليه فإن حق الدفاع الشرعى وإن كان يتعلق فى ظاهره بجرائم القتل والإيذاء البدنى , إلا أنه يستطيل – على سبيل القياس – إلى جرائم أخرى عند توافر حكمة الإباحة 0

قانون العقوبات – القسم العام – د/ حسنين عبيد – طبعة عام 2000
دار النهضة العربية – ص 125 ومابعدها


-فقانون العقوبات إذ يهدف إلى حماية المصلحة الإجتماعية يلجأ إلى التجريم والعقاب بناء على إعتبارات الضرورة الإجتماعية والتناسب , ولاشك أن المشرع الجنائى عندما يفعل ذلك يتدخل فى مناطق شائكة يمارس فيها الناس حقوقهم وحرياتهم , ممايستتبع وضع حدود لهذه الممارسة بمايتفق مع إعتبارات المصلحة العامة , إلا أن تدخل المشرع بالتجريم والعقاب لايمكنه المساس بجوهر الحقوق والحريات فى الحدود التى رسم القانون ممارستها , وطالما كان الشخص ممارسا لحقوقه أو حريته فى الحدود التى رسمها القانون ظل فى دائرة الإباحة دون أن تمتد إليه يد التجريم , وتفوق حماية الحقوق والحريات على إعتبارات المصلحة الإجتماعية يرجع أساسا إلى تفوق الدستور على التشريع وإلى عدم توافر الضرورة فى إعطاء تفوق للمصلحة العامة يجعلها أجدر بالحماية , فجميع الحقوق والحريات التى يحميها الدستور تظل فى منطقة الصدارة ولايجوز المساس بمحتواها أو جوهرها , وتنحصر دائرة المشرع بالنسبة إليها فى التنظيم ورسم الحدود ووضع الضمانات فى إطار الضرورة والتناسب الذى أسلفنا بيانه دون أن تمتد يداه إلى غير ذلك , لهذا قلنا أن الإباحة صفة تلحق الفعل الذى يعتدى على أية مصلحة يحميها قانون العقوبات , إذا كانت هذه الإباحة ترتكز على مصلحة أو قيمة أجدر بالرعاية 0

-ولما كانت أسباب الإباحة تستند إلى ممارسة الحقوق والحريات التى حددها الدستور فإنها تعطل سلطة التجريم فى حدود هذه الممارسة , ولايعتبر الفعل جريمة عند ممارستها فى الحدود المقررة قانونا 0

-وهناك علاقة وثيقة بين التجريم والإباحة فإذا كان التحريم يقوم على التوازن بين الحقوق والحريات من خلال التناسب بينهما ,فإن الإباحة كذلك تقوم على هذا التوازن القائم على التناسب , فمن الصعب النظر إلى الحقوق والحريات المحمية بالتجريم بعيدا عن سائر الحقوق والحريات التى يحميها القانون , فقد تتنازع المصالح الناجمة عنها فى نحو يحتم التضحية بإحداها فى سبيل حماية الخرى , ممايستتبع إباحة الإعتداء على المصلحة المضحى بها من أجل المصلحة الأخرى الأجدر بالحماية , وبالتالى فإن السلوك الإنسانى قد يعتبر غير مشروع ومشروع فى آن واحد , فهو غير مشروع بالنسبة إلى المصلحة الأجدر بالحماية فى نظر القانون , فيتغلب جانب المشروعية على جانب عدم المشروعية 0

-وإذا نظرنا إلى حالة الضرورة , نجد أنها لاتصدر عن صاحب حق أو حرية يحميها الدستور , إذ تتوافر هذه الحالة عندما يجد الإنسان فسه أو غيره مهددا بضرر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره , فيضطر إلى إرتكاب جريمة لوقاية نفسه أو غيره من هذا الخطر فتكون مصلحته هى الجديرة بالحماية فى نظر القانون 0وواقع الأمر , إذا نظرنا إلى شروط توافر الفعل الضرورى نجد أنها تمثل موفقا يتعارض مع أساس التجريم والعقاب وهو الضرورة , والتناسب , لأن الفعل الذى يرتكبه الجانى فى حالة الضرورة ينقذ بها حياة أو مال شخص دفعا لخطر جسيم , ويكون هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف من بين الأفعال الممكن إرتكابها , يتحقق به تناسب مقبول بين المصلحة المراد حمايتها والمصلحة المضحى بها , فى هذه الحالة التى إعترف بها قانون العقوبات فى المادة (61) تكون الجريمة من الناحية الإجتماعية مقبوله , لأن الضرورة والتناسب كانا لتبرير الفعل مما ينفى بداهة أساس تجريمه , فإذا كان التضامن الإجتماعى قد أباح ضرورة , فإنه لايمكن أن يبرر العقاب عليها 0

أنظر فى قضاء محكمة النقض الفرنسية الذى إعتبر حالة الضرورة من أسباب الإباحة
Crim.18 juin 1958,bull. no. 471,25 juin 1958D. 1985.693,27Des.1961,j.c.p

-وبالتالى فإن أساس إباحة الضرورة ليس هو الحق الذى يحميه الدستور أو القانون , كما هو الشأن فى إستعمال الحق , وأداء الواجب , والدفاع الشرعى , وإنما لإنتفاء الضرورة التى توجب التجريم , الأمر الذى يؤدى إلى العودة إلى الأصل العام وهو الإباحة 0

القانون الجنائى الدستورى – د/أحمد فتحى سرور – دار الشروق – ط 2001 ص 212 ومابعدها

الخلاصة والنتيجة :

-نخلص مما تقدم إلى عدة نتائج هامة تتمثل فى :

1-أن التسجيلات التليفونية للمشكو فى حقه الرابع وآخرون المتحصل عليها بمعرفة نجلة المجنى عليها , و المنسوخة على الإسطوانة الإلكترونية المدمجة , والمقدمة للنيابة العامة كدليل بالمحضر , تم الحصول عليها بطريق مشروع إستنادا إلى حق المجنى عليها فى الحصول على دليل براءتها مما نسب إليها من إتهام ملفق , وإتقاء ما سيلحق بها من إجراءات تحقيق ومحاكمة قد تصل بها لتقييد حريتها فى أحد السجون , مما يمثل خطرا محدقا على نفسها وسمعتها وسمعة أولادها , وهو فى حد ذاته حالة ضرورة تبيح لها إرتكاب أى فعل إبتغاء درء ما سوف يصيبها من ضرر , ووصولا لإظهار براءتها , مما يخرج بتلك التسجيلات عن نطاق التجريم المنصوص عليه فى المواد 309 مكرر , 309 مكرر (أ) من قانون العقوبات ليرسى بها فى ميناء الإباحة بما إشتملت عليه نصوص المواد 69 من الدستور , و7 , 60 , 61 من قانون العقوبات 0

طالما أن الدليل المستمد من التسجيلات التليفونية إكتسى بثوب الإباحة وخرج عن مجال التجريم , فإنه يحق للمجنى عليها الإحتجاج به أمام سلطات التحقيق , والمحاكمة الإستناد إليه كدليل بالقضية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق