بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 11 نوفمبر 2010

التعذيب جريمة ضد الإنسانية

التعذيب .. جريمة ضد الإنسانية



كان التعذيب فى عصور الظلام الإنساني البائدة يستخدم كوسيلة رئيسية للحصول على الاعتراف من المتهمين أو المشتبه في ارتكابهم جرائم معينة ، ويروي لنا التاريخ أساليب بشعة لاستجواب المتهمين تضمن إهدارا جسيما لحرياتهم وكرامتهم الإنسانية ، من بينها ما كان يحدث فى العصور الوسطي من إخضاع المتهمين لاختبارات عسيرة لبيان " حكم الله " فى شانهم ، كان تقيد يد المتهم اليمني حتى قدمه اليسرى ثم يلقي به فى ماء النهر ، فإذا غرق كان ذلك " برهانا إليهاً " على إدانته ، أما إّذا طفا على سطح الماء أنقذه الرب لبراءته وفى عهد لويس الرابع عشر صدر أمر ملكي سنه 1670 يقر العرف السائد فى فرنسا بأن يستجوب المتهم ثلاث مرات قبل التعذيب ، واثناء التعذيب ، وبعد التعذيب وكان الاستجواب الأخير يطلق على اسم استجواب " المرتبة " نسبة إلى المرتبة التى كان يطرح عليها المتهم بعد الانتهاء من تعذيبه وفى ظل هذه الأجواء كان التعذيب فى نظر الناس أمراً " عادياً " وكان يسمونه فى اللغة الجارية " الاستجواب القضائي " .

وقد أحتاج الأمر إلى دهور طويلة نزلت خلالها رسالات من السماء واندلعت ثورات على الأرض ونشبت حروب ضروس وأقيمت حضارات وإمبراطوريات كبري و اندثرت أخري ، احتاج الأمر كل ذلك من أجل إقرار حقوق الإنسان وحرياته ، ومن ضمنها حقه فى احترام كرامته الإنسانية وسلامة جسده وقواه العقلية والنفسية . لكن رغم أن أغلب دساتير بلدان العالم وكذا المواثيق والإعلانات الدولية المهنية بحقوق الإنسان قد حرمت بشكل قاطع إخضاع أى أنسأن للتعذيب أو للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الإحاطة بالكرامة ، آلا أن الواقع المعاش فى البلدان مازال يعالج بمآسى كئيبة حول استمرار ممارسة التعذيب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ضد حقوق الإنسان وحرياته ، حتى أصبح الرأي العام يؤمن بأنه ربم تحل معظم مشاكل البشرية قبل أن يحظى الإنسان فى البلدان وتحت أى نظام باحترام حقوقه وحرياته الأساسية .

ولا يختلف الوضع قي مصر عما يحدث في العديد من بلدان العالم فرغم أن الدستور والتشريع الجنائى المصريين قد كفل الحق في سلامة الجسد في مواجهة الإجراءات الجنائية واقر بأن كل مواطن يقبض علية أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ علية كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ورغم التزامات مصر الدولية بموجب تصديقها علي العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية عام 1982، وعلي الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب عام 1986، رغم كل ذلك ما زال التعذيب يعتبر وسيلة رئيسية يلجأ أليها رجال الأمن للحصول علي الاعترافات من المتهمين والمشتبه في ارتكابهم بعض الجرائم خلال مرحلة التحقيقات الأولية. ويرجع ذلك بالأساس إلى وجود بعض اوجه القصور الحادة في الحماية القانونية للحق في السلامة الجسدية من ناحية، فضلا عن وجود ما يمكن ان نطلق علية "تراث شعبي" سلبي لدى المواطنين يتساهل مع وقائع التعذيب وإساءة المعاملة التى يتعرض لها المتهمون أو المشتبه فيهم أثناء التحقيقات التى تجري معهم بمعرفة رجال الأمن بحسبان ذلك إحدى الوسائل الضرورية لمعرفة الحقيقة والحفاظ على الأمن والاستقرار فى المجتمع وسوف نعالج هذا القسم موضوع الحماية الدستورية والقانونية للحق فى سلامة الجسد وأهم المثالب التى تعتري هذه الحماية ( أولا ) ثم نعرج بعد ذلك إلى تحديد موقف القضاء الجنائي المصري من تعذيب المتهمين للحصول على الاعتراف ( ثانياً ) . . .

أولاً الحماية الدستورية والقانونية في السلامة الجسدية

كفلت المادة ( 42) من الدستور المصري الحق فى السلامة الجسدية والنفسية والعقلية فى مواجهة الإجراءات الجنائية على أن : " كل مواطن يقبض علية أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد ، تجب معاملته بما يحفظ علية كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاءه بدنيا أو معنويا ، كما لا يجوز حجزه أو حبسة فى غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون وكل قول يصدر مكن مواطن تحت وطأة شي مما تقدم أو التهديد بشي منه يهدر ولا يعول عليه " كما اعتبرت المادة (57) من الدستور التعذيب جريمة دستورية لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية عنها بالتقادم وألزمت الدولة كفالة تعويض عادل لمن وقع علية التعذيب ، كما أكدت المادة (41) من قانون الإجراءات الجنائية على عدم جواز القبض علي أى أنسأن إلا بأمر من السلطة المختصة قانونا ، وأوجبت معاملته بما يحفظ علية كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاءه بدنيا أو معنويا وفى مقام إسدال الحماية الجنائية على الحق فى السلامة الجسدية نصت المواد 126،127،129،282 من قانون العقوبات المصري على العقوبات التى توقع على أي موظف أو مستخدم عموما أو أى شخص مكلف بخدمة عامة ارتكب جريمة التعذيب أو استعمال القسوة ضد المتهمين أو المحكوم عليهم أو غيرهم من آحاد الناس ، وذلك على النحو التالي :-

1- جريمة التعذيب (المادة 126 عقوبات ) .

حرمت المادة (126) من قانون العقوبات تعذيب المتهم لحملة على الاعتراف حيث نصت المادة على أن " كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بالتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى عشر . وإذا مات المجني علية يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً " وقد كانت المادة (126 ) من قانون العقوبات ، ومازالت ، مثار انتقاد شديد من الفقه المصري ومن جميع منظمات حقوق الإنسان الوطنية ، وذلك لأنها لا توفر الحماية الجنائية اللازمة والفعالة لحق الإنسان فى السلامة البدنية والذهنية ، كما أنها لا تنسجم مع أحكام الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والتى صدقت عليها الحكومة المصرية عام 1986 أصبحت بمقتضى هذا التصديق جزءا لا يتجزأ من التشريع الوطني طبقاً لنص المادة (151) من الدستور ، وذلك على النحو التالي ذكره :-

1/1- وفقاً لنص المادة من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب " أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ، جسدياً كان أم عقلياً ، يلحق عمداً من هذا الشخص ، أو من شخص ثالث ، على معلومات أو اعتراف ، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه فى أنه ارتكبه ، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندم يلحق مثل هذا آلام لأي سبب من الأسباب يقوم على التميز أيا كان نوعه ، أو يحرض علية أو يوافق علية أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية " .

وطبقاً لهذا النص ، يتضح أن جناية التعذيب الواردة فى المادة (126) عقوبات وقد وضعت شرطا خاصاً لاكتمال أركان هذه الجريمة وهو اشتراط " صفة " خاصة فى المجني علية وهي أن يكون " متهما " وبالتالي أهملت المادة (126) عقوبات حال التعذيب " لغير المتهم " لحمل المتهم الأصلي على الاعتراف أو لأي سبب أخر . وفى الحياة الأخيرة لا نكون بصدد جناية تعذيب ، إنما إزاء جنحة استعمال قسوة . والفارق بين الحالتين شاسع فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على المتهمين بممارسة التعذيب أو باستعمال القسوة . ففى حالة ارتكاب الجناية المنصوص عليها فى المادة (126) عقوبات تكون العقوبة هي الإشعال الشقة أو السجن من ثلاث إلي عشر سنوات ، وإذا مات المجني علية يحكم بالعقوبة المقرة للقتل عمداً . أما فى حالة جنحة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة( 129) عقوبات فإن العقوبة هي الحبس مدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تزيد على مائتي جنية .

. . . والواقع أن التعذيب غير المتهم لحمل المتهم على الاعتراف أو تسليم نفسه فى حالة هروبه ، من الأمور شائعة الحدوث فيما يعرف " باحتجاز الرهائن " حيث يتعرض ذوو المتهم وأقاربه للاحتجاز غير القانوني ويتم ممارسة أساليب ضدهم لإجبار المتهم على الاعتراف أو تسليم نفسه . وتعد ظاهرة " احتجاز الرهائن " من الانتهاكات الجسيمة التى تحرص أدبيات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على كشفها وإدانتها ومطالبة السلطات المختصة على بوضع حد نهائي لها .

2/2- كما انتقدت المادة (126) عقوبات أيضاً . لأنها تعاقب الموظف أو المستخدم العام إذا قام بالتعذيب للمتهم بنفسه أو أمر بتعذيب المتهم ، فيما لا تعاقب الموظف أو المستخدم العام إذا اقتصر دورة على مجرد " الموافقة " على التعذيب أو " السكوت " أو " التحريض " أو " التواطؤ " علية على نحو ما تقضي به المادة الأولي من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب .

وقد تداركت محكمة النقض المصرية العديد من أحكامها هذا القصور التشريعي فقد قضت فى شأن الأمر بالتعذيب ، أنه يستوي أن يصدر تصريحاً أو تلمحا حيث قضت بأنه : " من المقرر أن المحكمة الموضوع أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤديا عقلياً للنتيجة التى انتهت إليها وانه لا يشترط فى الدليل أن يكون صريحاً دالا على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها فيه من طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات " وقالت " عندما يصبح التعذيب عملا معتادا فإن امتناع الرئيس عن نهي مرءوسيه عن القيام بتعذيب المتهمين المراد انتزاع الاعتراف منهم هو أمر بالتعذيب " وفى حكم أخر رأت المحكمة " أن مجرد اتخاذ رجل السلطات المختص مسلكا سليباً بالتعذيب يفيهم منه موافقته على التعذيب أو عدم اعتراضه علية يعتبر أمرا سلبياً بالتعذيب " ورأي بعض الفقه أن تجاهل الرئيس أمر مرءوسيه بالكف عن تعذيب المتهم – لعلة يضطر إلي الاعتراف المطلوب منه – يكون قد عبر بما يدع مجالا للشك عن أردته فى تعذيب المتهم لحملة على الاعتراف .

3/2 وفى مخالفة أخري للمادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب ، يلاحظ أن المادة (126) عقوبات لا تنطبق إلا إذا مارس الموظف أو المستخدم العام " التعذيب " ضد " المتهم " بقصد أخر غير الحصول على الاعتراف ، كالتأديب أو التهديد أو التخويف أو الانتقام أو غير ذلك . وفى الحالات الأخيرة تطبق القواعد الجنائية العادية .

2- جريمة استعمال القسوة ( المادة 129 عقوبات ) .

نصت المادة (129) عقوبات الخاصة بجريمة استعمال القوة مع أحاد الناس استنادا على الوظيفة العامة على أن :-" كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة اعتمادا على وظيفته بحيث إنه أخل بشرفهم أو أحدث ألأم بأبدانهم يعاقب علية بالحبس لمدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تزيد على مائتي جنية مصرى " .

وقد انتقدت هذه المادة بأنها قررت لجريمة لاستعمال القوة عقوبات هزيلة جداً ، كما أن المقصود باستعمال القسوة هو الإيذاء الخفيف ، أي التعدي المادي بالأفعال ولا ينصرف إلي الأقوال والإشارات (التعدي المعنوي ). حيث قضت محكمة النقض بأن " استعمال القسوة يقصد به الأفعال المادية التى تقع على الأشخاص ولا ينصرف إلى الأقوال والإشارات " . وقالت " أن المشرع قد استخدام عبارة أنه إذا أخل بشرفهم أو أحداث آلاما بأبدانهم ، وكان ذلك بقصد أن يكون بيانا لفعل القسوة في جميع الحالات حتى وأن أخذ شكل الإيذاء الخفيف الذى يمس الشرف وأن لم يولم الجسم " ، وانتهي الحكم إلى أن هذه الجريمة لا تقع بالألفاظ وأنما بالأفعال فقط .



3- جريمة التعذيبات البدنية ( المادة 282 عقوبات ) .

تنص المادة (282) عقوبات على أنه " يحكم فى جميع الأحوال بالإشعال الشاقة المؤقتة على من قبض علي شخص بدون وجه حق وهدده بالقتل أو عذبة بالتعذيبات البدنية " رغم أن المادة (282) عقوبات قد ارتفعت بالعقوبة إلى مصاف الجنايات إذا وقع القبض بدون وجه حق مصحوباً بالتهديد بالقتل أو التعذيب بالتعذيبات البدنية ، إلا أنها لم تفرق بين وقوع هذه الأفعال من فرد على فرد أو من سلطة على فرد ، وكان من الواجب تشديد العقاب فى الحالة الأخيرة باعتبار أن ممثلي السلطة يرتكبون هذه الجريمة ليس بصفتهم الشخصية بل اعتمادا على سلطات وظيفتهم ومكانتهم " .

إلى جانب مظاهر الخلل السابقة فى المواد 126 ، 129 ، 282 من قانون العقوبات ، هناك مظاهر الخلل التشريعي فى قانون الإجراءات الجنائية أهمها :- حرمان ضحايا التعذيب من الادعاء المباشر ضد مرتكبي التعذيب ، وإعطاء مأمورى الضبط القضائي صلاحيات واسعة فى القبض على الأشخاص والتحقيق معهم ، كما يتيح قانون الطوارئ لرجال الآمن صلاحية استثنائية واسعة تمكنهم من العصف بالعديد من الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين ومن ضمنها الحق فى السلامة الجسدية . يضاف إلى ما تقدم ، أن السلطات المختصة لا تقوم فى الحالات كثيرة بالتحقيقات اللازمة فى الانتهاكات الجسمية التى ترتكب داخل مراكز الاحتجاز المصرية ، خاصة ما تعلق منها بالتعذيب وإساءة معاملة المتهمين وذلك بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون ونص المادتين(13،15) من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي تقضي بوجوب قيام السلطات المختصة بإجراء تحقيق نزيه علي وجه السرعة، كلما وجدت أسبابا معقولة تدعو للاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب، حتى في حالة عدم وجود شكوى رسمية. وسوف نتناول في القسم الثالث أهم الضمانات التشريعية والعملية التي لابد من أعمالها لوقف ظاهرة التعذيب وإساءة معاملة المواطنين داخل مراكز الاحتجاز المصرية.



ثانيا موقف القضاء الجنائي المصري من تعذيب المتهمين لحملهم علي الاعتراف

لان الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة بمقتضى أحكام الدستور ، فقد حرص مركز مساعدة السجناء لحقوق الإنسان فى مقام تفنيده وردة على ادعاءات وزارة الداخلية ، بنفي ممارسة التعذيب على نطاق واسع داخل مراكز الاحتجاز المصرية بواسطة رجال الأمن ، أن يرتكن على موقف القضاءين الجنائى والمدني باعتبار أن أحكامهما الكاشفة عن وقوع " التعذيب " دليل لا يجوز دحضه على نفي ادعاءات وزارة الداخلية . وفى مقام تحديد موقف القضاء الجنائي المصري من ممارسة التعذيب ، فقد صدرت منذ عام 1982 وحتى إعداد هذا التقرير ، عشرات الأحكام القضائية النهائية ، سواء من القضاء الجنائي العادي أو من قضاء أمن الدولة العليا طوارئ ، أثبتت وقوع التعذيب بصورة بشعة ضد المتهمين فى تلك القضايا ، كما أهدرت الاعترافات المنسوبة إلى المتهمين والتي جاءت وليدة الإكراه والتعذيب .

ويعتبر مبدأ " إهدار أي اعتراف تحت وطأة التعذيب أو التهديد به " من أهم المبادئ الإجرائية التي أقرها القضاء المصري استنادا على نص المادة (42) من الدستور والمادة (302) من قانون الإجراءات الجنائية ، وقد أستقر قضاء محكمة النقض على أن الإكراه المادي يبطل الاعتراف طالما به مساس بسلامة الجسم ، فقضت بأنه " يجب ألا يعول على الاعتراف حتى ولو كان صادقا طالما كان وليد إكراه مهما كان قدره " وقضت بأن " لأصل أن الاعتراف الذي يعول علية يجب أن يكون اختياريا ، وهو لا يعتبر كذلك ، ولو كان صادقا ، إذا صدر إثر ضغط أو إكراه كائنا منا كان قدرة "

وفيما يلى بعض الأحكام القضائية العظيمة التى أثبتت فيها المحاكم وقوع التعذيب على المتهمين وأهدرت الاعترافات المنسوبة إليهم ، بل وأحالت الضباط المسئولين عن التعذيب إلى التحقيق والمحاكمة حرصا على عدم إفلاتهم من العقاب . . وقد حرص مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء على أن تكون هذه الأحكام متنوعة من حيث شمولها لمتهمين من مختلف التيارات السياسية ( ناصريين ، شيوعيين ، إسلاميين ) أو مواطنين عاديين . . .



الجناية رقم 84 لسنة 1982 المعروفة باسم تنظيم " الجهاد "



أكدت المحكمة فى حيثيات حكمها وقوع تعذيب شديد وبشع على المتهمين بالمخالفة لأحكام الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان حيث جاء من حيثيات الحكم ما يلي .

" فى العصر الحديث تخلص الاستجواب من فكرة التعذيب بعد أن سادت حقوق الإنسان ، وصدرت إعلانات هذه الحقوق التى حظرت تعذيب المتهمين . وأكدت هذا المعني الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية ونصت علية الكثير من الدساتير ومنها الدستور المصري فى المادة (42) منه . فالهدف من الإجراءات الجنائية ليس هو كشف الحقائق بعيداً عن احترام حرية المتهم . . ومن ثم تجب معاملته بهذه الصفة فى جميع الإجراءات . . مما يتعين معه احترام حريته وتأكيد ضماناتها فلا قيمة للحقيقة التى يتم الوصول أليها على مذبح الحرية ، لان الشرعية التى يقوم عليها نظام الدولة تتطلب حماية الحرية من السلطة . والقانون الذي تخضع له الدولة يكفل احترام الحريات بقدر ما يعمل على معاقبة المجرمين .وإذن فتغليب جانب السلطة والعقاب على جانب الحرية والضمانات ليس إلا افتئاتا على الشرعية وخروجا على أهداف القانون من أجل ذلك يتعين أن يكون الاستجواب نزيها لمعرفة الحقيقة " .

.. .. وتستطرد المحكمة برئاسة المستشار محمد عبد الغفار قائله :-

" ولقد ثبت لدى المحكمة على وجه القطع واليقين أن أقوال المتهمين المؤيدة بالتقارير الطبية ، ومن تأخير عرضهم على النيابة العامة لمدة شهرين رغم الأمر الصادر من النائب العام المساعد بسرعة عرضهم عليها ، ومن ظروف القبض على المتهمين ، وعدم وجود معلومات مسبقة لدى أجهزة الآمن عن التنظيم وأهدافه وأفراده . . أن أجهزة الأمن اعتدت على غالبية المتهمين وعذبتهم وأحدثت ببعضهم إصابات خطيرة استدعت نقلهم إلى المستشفيات العامة ، ومنها مستشفي الشرطة . وكان الغرض من هذا الاعتداء الحصول على إقرارات من المتهمين بالجرائم التى وقعت وظروف وقوعها والمشتركين فيها ولا يسع المحكمة إزاء ذلك إلا أن :-

أولاً :- استبعاد الدليل المستمد من أقوال من ثبت الاعتداء علية من المتهمين بمحاضر الضبط والمتضمنة إقرارا منهم بارتكاب الأفعال المنسوبة إليهم ، لان هذه القرارات وليدة إكراه مادي ومعنوي وليست وليدة إرادة حرة .

ثانياً :- توصي المحكمة بسرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحديد المسئولين عن المتهمين على جميع المستويات حرصا على الشرعية التى ينبغيا أى نظام يقوم على احترام القانون .



القضية رقم 4929 جنايات عابدين 1983

والمقيدة برقم 145 كلي وسط أمن الدولة العليا 1983

والمعروفة بقضية " التنظيم الشيوعي المسلح "



كما أهدرت محكمة أمن الدولة العليا اعترافات المتهمين فى القضية رقم 145 كلي وسط أمن الدولة لسنة 1983 لأنها جاءت وليدة التعذيب وإكراه شديدين ، حيث أكدت المحكمة فى حيثيات حكمها :-

" وحيث أن المتهمين الحاضرين قد أدلوا باعترافات وأقوال فى تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا ، ثم عادوا جميعاً فعدلوا عنها مقررين أنهم تعرضوا لصنوف التعذيب المادي والنفسي على أيدي ضباط مباحث أمن الدولة أبان اعتقالهم بسجن القلعة وأن أقوالهم واعترافهم جاءت وليدة هذا التعذيب والإكراه ، والذي شرحوه تفصيلاً للنيابة وصمموا على ذلك أما المحكمة وحدد بعضهم من قام بالاعتداء علية ، وانه من ثم لم تأت اعترافاهم وليدة إرادة حرة ، ودفع الحاضرون معهم ببطلان هذه الاعترافات بناء على ذلك . . .

. . . وحيث أنه مما سبق أن الدليل القولي المستمد مما ذكره المتهمون بشأن تعرضهم للتعذيب ، قد تأيد بدليل الفني المستمد من الكشوف الطبية الشرعية الموقعة عليهم ، ومن فلم يكن المناخ الذى جرت فيه التحقيقات التي أدي المتهمون فيها باعترافهم مناخ حرية واختيار وأنما كان تعذيب وإكراه . . .

. . وحيث أنه فى ضوء ما تقدم جميعه فأن المحكمة لا تطمئن إلى الاعترافات المنسوبة للمتهمين جميعاً فى التحقيقات وتهدرها ولا تعول عليها ، وتطرح ما ساقته النيابة من أدلة مستمدة منها أدلة الثبوت وذلك عملاً لنص المادة (42) من الدستور والمادة (302) من قانون الإجراءات الجنائية والتى تهدر كل ما يثبت أنه صدر وليد الإكراه كائنا ما كان قدرة فتعين ألا يعول علية حتى ولو كان صادقاً





القضية رقم 2830 / 1986

أمن الدولة العليا – طوارئ

المعروفة باسم " التنظيم الناصري المسلح "



وفى قضية التنظيم الناصري المسلح رقم 2830 لسنة 1986 أمن دولة عليا قضت المحكمة برئاسة المستشار سعيد العشماوى ببراءة جميع المتهمين- وعددهم 15 متهما - لثبوت وقوع تعذيب بشع عليهم ، وصفته المحكمة بأنه إجرام فى إجرام ، مما أدي إلى اعتراف أحد المتهمين ، وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها:

" ذكر كثير من المتهمين وقوع تعذيب عليهم من ضباط مباحث أمن الدولة ، كان بعضة تعذيباً مادياً ترك أثار ما أمكن للكشف الطبي أن يستبيه بعد فترة طويلة ، وما أمكن أن يتخلف عن احتياط فى إخفاء أثار التعذيب . . وهذا التعذيب المادي غير التعذيب النفسي والعقلي الذي تستشعر المحكمة من كل صفحات التحقيق أن المتهمين تعرضوا له وهؤلاء المتهمين من متعلمي ومثقفي مصر الذين يمكن أن يعدم إرادتهم ويشل اختيارهم مجرد التهديد بتلفيق الاتهام للزوج أو الولد ( كما حدث مع المتهم الثالث ) أو مجرد التلويح بالتعذيب أو وضعهم ف ظروف سيئة وغير طبيعية وتحت احتمال الإيذاء .

. . . إن يقين المحكمة ليفزع وضميرها ليجزع وهي تري أن أي متهم قد تعرض للتعذيب المادي أو النفسي أو العقلي ويزداد الفزع ويتضاعف الجزع أن حدث التعذيب بصورة وحشية فظيعة فى دبر المتهمين ، وهو أمر وصفته محكمة النقض فى الثلاثينات بأنه إجرام فى إجرام ، ولا تجد المحكمة فى عصر حقوق الإنسان وزمن حرية المواطن والمواطنين وصفا ملائما تصفى به ، ولا تريد المحكمة أن تتدنى لتصفه بوصفه البشع ، غير أنها تري التعذيب عموما – مهما كانت صورته – عدوانا على الشرعية من حماة الشرعية واعتداء على حقوق الإنسان ممن واجبة الحفاظ على حقوق الإنسان ومن ثم تناشد المشرع وضع ضوابط جادة تكفل حماية أشد للمتهمين من أي تعذيب بدنى أو نفسي أو عقلي يتعرضون له أو يهددون به وهم بين أيدي السلطة وفى حماية رجالها . . وبعد الاطلاع على المواد سالفة البيان حكمت المحكمة حضوريا ببراءة جميع المتهمين مما نسب إليهم .



القضية رقم 2731 لسنة 1989 ورقم

1190 لسنة 1989 أمن الدولة العليا طوارئ



وفى 1190 لسنة 1989 أمن الدولة العليا طوارئ ، والمتهم فيها سته متهمين من أعضاء " الجماعة الإسلامية " وهم : حسن الغرباوي شحاته ، محمود عبد الموجود ، حسن على محمود خالد ، سليمان أحمد طلب ، أحمد عبد الناصر محمد ، حامد محمد عبد الموجود .. أهدرت المحكمة الاعترافات المنسوبة إلى المتهمين بارتكابهم جرائم حيازة مفرقعات بقصد استعمالها في نشاط يخل بالأمن العام والنظام العام ، وحيازة وإحراز محررات ومطبوعات تحض على كراهية نظام الحكم والازدراء به التحريض على مقاومة السلطات ، وذلك تأسيساً على أن هذا الاعترافات كانت وليدة إكراه وتعذيب وجاء فى تسبيب الحكم مايلى : -

" أن الاعتراف وأن كان يطلق علية أنه سيد الادله إلا أنه يحيط به الشبهات بطبيعته لمجافاته للوضع الطبيعي للأمور إذ أنه باعتراف المتهم قد قدم دليل إدانته لنفسه ، وللأخذ بالاعتراف كدليل يجب أن المتهم قد أدلي به وهو في كامل إرادته ووعيه ، ويلزم أن تكون هذه الإرادة لم يباشر عليها أي ضغط م الضغوط التى توثر عليها كإكراه أو تعذيب أو تهديد أو حتى إرهاق خلال إجراءات التحقيق وحيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن جميع من سئلوا فيها قد قرروا وقوع اعتداءات وتعذيب عليهم تتراوح بين الصفع والضرب والصعق بالكهرباء لحملهم على الإدلاء بأقوال معينة ، وثبت من مناظرة النيابة العامة للاماكن الظاهرة بأجسامهم وجود إصابات بالمتهمين ، وقد أمرت النيابة بإحالتهم إلى الطبيب الشرعي ، ورغم ذلك خلت أوراق الدعوى من تنفيذ هذا القرار ، الأمر الذي يشير إلى صدق المتهمين فيما أبدوه من أقوال بشأن تعرضهم للاعتداء والتعذيب للتأثير علي إرادتهم وجبرهم على الإدلاء بأقوال معينة ، مما يؤيد هذا النظر تأخير عرض المتهمين حتى الشفاء من أصابتهم .

. . . وحيث إنه كان ما تقدم وقد جاءت الأوراق ناطقة بما لا يدع مجالا للشك فى أن المتهمين قد عاشوا مناخا من الرعب والتهديد والتعذيب والابتزاز أثر على إرادتهم وأدي إلى إدلائهم باعترافات على أنفسهم واخرين ، وقد جاءت هذه الاعترافات فى كثير منها متناقضة فيما بنها فضلاً عن تناقضها مع الماديات الثابتة فى الدعوى على نحو يهدرها تماما ويعدم الدليل المستمد منها " .



الجناية رقم 593 لسنة 1992 ورقم

113 لسنة 1992 كلي وسط القاهرة



وتتلخص وقائع الجناية 113 لسنة 1992 كلي وسط القاهرة فى إحالة رائد الشرطة حسن إبراهيم السوهاجي بمباحث قسم الزيتون إلى محكمة الجنايات لأنه :-

(1) قبض هو وأخرين ومجهولون من رجال الشرطة السريين على المجني علية مختار أحمد أبو العمايم دون وجه حق واحتجزه بقسم الزيتون بدون أمر أحد الحكام المختصين ، وعذبوه هو بأن خلعوا عنه جلبابه وشدوا وثاقه وانهالوا عليه ضربا بسوط وصفعاً بالأيدى ، على نحو المبين بالتحقيقات ، فأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبيين الابتدائي والشرعي المرفقين .

(2) وهو موظف عمومي (رائد شرطة بمباحث الزيتون ) دخل مع آخرين من رجال الشرطة السريين مسكن المجني علية سالف الذكر دون رضائه اعتمادا منهم على سلطة وظيفتهم وفى غير الأحوال المنصوص عليها قانونا .

وقد قضت المحكمة بمعاقبة حسن إبراهيم السوهاجي بالحبس مع الشغل والنافذ لمدة سته أشهر لما نسب إلية من اتهامات ، وجاء فى تسبب الحكم مايلى :-

" وحيث أن واقعة الدعوى حسبما استقر فى يقين المحكمة واطمأن إليه وجدانها . . تتحصل فى أنه بعد منتصف الليل ، وفى الساعات الأولى من يوم 30/8/1986 انتقل المتهم حسن السوهاجي ضابط مباحث قسم الزيتون وبصحبه قوة من رجال الشرطة السريين إلى حيث يقطن المجني علية مختار أبو العمايم وأسرته بالعقار رقم 9 حارة محمد مصطفي بدائرة قسم شرطة حدائق القبة متجاوزاً نطاق اختصاصه المكاني دون سند من القانون ، وذلك بحثاً عن شقيقة محمود الذى يسكن فى شقة مستقلة بذات العقار ، وإذا لم يعثر عليه بمسكنه فقد أردف متجها إلى شقة المجني علية ، حيث دلفوا إلى داخلها دون رضائه . وإزاء ما أبداه المجني عليه من تذمر فقد قام المتهم باقتياده إلى ديوان قسم شرطة الزيتون ، حيث احتجزوه بغرفة المباحث وانهال عليه ضربا بالسوط وصفعاً بالأيدي محدثاً بظهره ووجهة الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي المرفق بالأوراق ، إلى أن أفلح بعض من استنجدت بهم والدته وذويه فى التوسط لإنهاء احتجازه وإخلاء سبيله فى مستهل اليوم التالي فأسرع من فوره بالإبلاغ عن الواقعة . . .

. . . وقد أثبت التقرير الطبي الصادر من مستشفي منشية البكري العام والمؤرخ 31/8/1986 والمرفق بالمحضر رقم 52 أحوال قسم حدائق القبة المتضمن بالغ المجني علية عن الواقعة أنه بالكشف على المجني عليه وجد به سجحات بالظهر والوجه وكدمت بالوجه ..

. . . حيث أنه تأسيساً على ما تقدم فقد ثبت للمحكمة على وجه الجزم واليقين أن المتهم حسن إبراهيم السوهاجي خلال يومي 30/31/1986 بدائرة قسم الزيتون (أولا) قبض على المجني عليه دون وجه حق بدون القسم ثم قام بتعذيبه بان شد وثاقه وانهال عليه ضربا بالسوط على ظهره وصفعاً بالأيدي على وجهه محدثاً به الإصابات المبينة بالتقرير المرفق . (ثانياً) وهو موظف عمومي – رائد شرطة – دخل منزل المجني عليه دون رضائه . . . الخ " .



القضية رقم 456 / 1990

أمن دولة عليا – طوارئ

قضية اغتيال د . رفعت المحجوب



وفى قضية اغتيال د . رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب فى 12 أكتوبر 1990 ومعه المقدم عمرو الشربيني وأخرون برأت المحكمة فى 4 أغسطس 1993 جميع المتهمين (27متهما) من تهمة الاغتيال وحيازة مطبوعات وقالت ما يلي :-

" قد يكون فى أعتقد المحكمة وقوع تعذيب على جميع المتهمين لم ينج منهم أحد ، وهو ما أثبته المحققون فى تحقيقاتهم عند استجوابهم من وجود إصابات بهم ، وأوضحت التقارير الطبية تعرضهم لأبشع أنواع التعذيب من ضرب بالسياط وتوصيل شحنات كهربائية إلى أجسادهم ومواطن العفة منهم وتعليقهم وهم معصوبو العينين بقصد نزع الاعترافات منهم وتكرارها بعد كل استجواب ، وهو ما أدي إلى أصابه بعضهم بما يشبه الشلل فى أطرافه العلوية " .

" كما وجهت المحكمة نقداً شديد لسلوك ضباط الشرطة ووصفته بالقبح وقالت :-

. . أن الضمير القضائي يأبي أن يتسلح رجال الشرطة بهذه الوسائل البشعة في مواجهة أعزل يرسف فى الأغلال والقيود ومعصوبي العينين فى محاولة لحملة على أن تصدر منه عبارات يدلي بها ضد غيرة أو ضد نفسه ، ليفر بها من الهلاك ، وأن ما صدر م الجهات الأمنية بهذه الصورة إنما لتتدارك قصورها وتستر عجزها وفشلها فى كشف الحقيقة ، باصطناع أدله تقدمها إلى سلطات التحقيق كي تأخذ طريقها بعد ذلك إلى ساحة القضاء ، بقصد تضليل العدالة .

. . أن أنتزع الاعتراف واقتناصه يعتبر خروجا على الشرعية وافتئاتا على القانون لا تعول عليه المحكمة حتى لو كان يطابق الحقيقة ما دام قد صدر تحت وطأه التعذيب بهذه الصورة النكراء التي أوردها تقرير الطب الشرعي ، ولذا فإن المحكمة تستبعد كافة الأدلة المستمدة من اعترافات صدرت عن المتهمين تحت وطأه التعذيب والاستجواب المرهق " .



الجناية رقم 409 لسنة 1990 الفيوم

ترجع ملابسات هذه القضية إلى 37/3/ 1990 عندما قامت قوات الشرطة بالقبض على المواطن ناصر محمد خيري وحبسه احتياطيا على ذمه المحضر رقم 1196 لسنة 1990 إداري مركز الفيوم وأودع بسجن الفيوم العمومي حيث تعرض لأبشع أنواع التعذيب لحمله على الاعتراف بالتهمة المنسوبة إليه ، مما أدي إلى وفاته . وقد حرر محضر بوفاة المواطن المذكور وتم التحقيق بمعرفة النيابة العامة والتي أحالت ستة متهمين للمحاكمة ، وهم :-

- الملازم أول / طارق فؤاد ولعان ( المتهم الأول )

- النقيب / أحمد محمود عثمان ( المتهم الثاني )

- الرقيب السري / عبد الناصر صالح علي ( المتهم الثالث )

- جندي / إسماعيل محمد مبروك ( المتهم الرابع )

-جندي /بخيت عبد الرحمن عمران ( المتهم الخامس )

-طبيب السجن / راجي عبد المسيح جرجس ( المتهم السادس )

وقد وجهت النيابة العامة للمتهمين من الأول إلى الخامس بصفتهم موظفين عموميين " ضباط وجنود سجن الفيوم العمومي " أنهم عذبوا المتهم المحبوس احتياطياً على ذمة القضية رقم 1196 لسنه 1990 إداري مركز الفيوم لحمله على الاعتراف بالجريمة المسندة إليه ، بأن شدوا وثاقه بحبل من القماش وأوسعوه ضرباً بعصا وسير من الجلد وقاموا بكيه في مواضع مختلفة بالجسم بلفافات تبغ مشتعلة وأسياخ من الحديد المحمي فى النار فأحدثوا به الإصابات المصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أدوت بحياته .

كما وجهت النيابة العامة للمتهم الأول تهمة هتك عرض المجني عليه سالف الذكر بالقسوة ، بأن أولج عصا في دبره على النحو الوارد بالتحقيق . ووجهت للمتهم السادس بصفته موظفا عاما وطبيب سجن الفيوم العمومي ارتكاب جريمة تزوير فى محرر رسمى ،هو التقرير الطبى الخاص بالمجنى عليه سالف الذكر حال تحريره ،وذلك بجعله واقعة مزورة فى صورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بان تعمد عند توقيعة الكشف الطبى على المجنى علية المذكور بالسجن على خلاف الحقيقة بعدم إثبات ما به من حروق نارية ،وقد اجمع شهود الإثبات فى القضية على مشاهداتهم للمتهمين من الأول والخامس وهم يقومون بتعذيب المجنى علية 0 كما شهد الشرطى احمد فتحى احمد أنة شاهد المتهم الأول يقوم بإنزال السروال الخاص بالمجنى عليه ثم قام بإيلاج عصا غليظة فى دبره حتى خرجت منه رائحة كريهة 0 وكذلك اعترف المتهم الخامس فى تحقيقات النيابة انه شاهد تابعى المتهم الأول والثانى وهم يقومون بتعذيب المتهم بالتصوير الوارد سابقا .

كما جاء فى تقرير الطب الشرعي الموقع على جسد المجني عليه رقم 93 طب شرعي الفيوم لسنه 1990 أنه بالكشف الظاهري على جثه المجني عليه وجدت الإصابات آلاتية :-

1- حروق متعددة يصعب حصرها ، بعضها متقيح منتشرة بالوجه والذراعين والظهر والبطن والآليتين والساقين مستديرة الشكل قطرها حوالي نصف سم .

2- حروق متعددة بعضها متقيح منتشرة فى الذراعين والبطن والظهر والآليتين والساقين طولية الشكل تتراوح أطوالها ما بين 4-8 سم وعرضها يتراوح ما بين 1-2 سم .

3- كدم بلون مخضر بيضاوي الشكل أبعاده حوالي 5×7 سم بالجهة الوحشية من العضد الأيسر

4- كدم بلون مخضر بيضاوي الشكل أبعاده حوالي 6×7سم بالجهة الوحشية من العضد الأيمن .

5- كدم بلون مخضر شامل ظهر اليدين مع تورم الأنسجة .

6- كدم بلون مخضر مائل الوضع طوله حوالي 6 سم وعرضة 1 سم بالجهة الاليه من الفخذ الأيسر

7- كدم بلون مخضر شامل بطن القدمين مع تورم الأنسجة .

8- إنسكابات غزيرة شاملة لأنسجه فروة الرأس .

وقد أنتهي التقرير إلى أن الحروق المنتشرة بالوجه والذراعين والبطن والظهر والساقين حيوية من الدرجات الثلاث الأول ذات طبيعة نارية تحدث من ملامسة الجسم لأسياخ حديدية ساخنة ولفافات التبغ المشتعلة ، وأن الكدمات الموجودة بالذراعين الأيسر والقدمين والانساكابات الموصوفة بفروة الرأس جميعها ذات طبيعة رضية تحدث من المصادمة بجسم صلب راضي أيا كان نوعه وفى تاريخ يتفق وتاريخ الواقعة وأن وفاة المجني علية ناشئة من تسمم دموي والتهاب رئوي مضاعف لتقيح الأنسجة بمواضع الإصابات المتعددة الموصفة بالجثة وما صاحب ذلك من صدمة .

وقد قضت محكمة جنايات الفيوم بسجن المتهم الأول والثاني لمدة خمس سنوات ، وسجن المتهم الثالث لمدة خمس سنوات ، والسجن ثلاث سنوات للمتهمين الرابع والخامس . أما المتهم السادس فقد حكمت المحكمة ضده بالسجن لمدة سنة وعزله من وظيفته لمدة سنتين



الجناية رقم 43806 لسنة 1997 الإسكندرية

في دليل أخر على عمق استهتار بعض رجال الشرطة بكرامة المواطنين وحرياتهم الشخصية وحقهم فى السلامة الجسدية ، أمرت محكمة جنايات الإسكندرية بإحالة 13 ضابط شرطة للتحقيق أمام نيابة شرق الإسكندرية ، ووجهت إليهم المحكمة اتهامات بالتعذيب وتلفيق التهم للمواطنين والحبس بدون وجه حق ، كانت المحكمة تنظر قضية اتهام أحد المواطنين بقتل طفلته(9 سنوات )

وترجع ملابسات هذه القضية – حسب البيان الصادر عن مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان إلى فبراير 1996 عندما تقدم المواطن محمد بدر الدين جمعه إسماعيل ببلاغ للشرطة يفيد فيه باختفاء ابنته وفي 1/9/1996 تقدم أحد المواطنين ببلاغ يفيد العثور على جثة لطفلة بجوار المزلقان بشاطئ المعمورة تبلغ من العمر 9 سنوات .

وعلى أثر ذلك وبناء على توجيهات مدير أمن الإسكندرية بدأ فريق من ضباط المباحث الجنائية تحرياته لكشف غموض الحادث ، وأنتهي محضر التحريات الذي حرره العقيد مصطفي عمران مفتش مباحث الفرقة ( أ ) فى 12/9/1996 إلى أن التحريات قد توصلت إلى أن المجني عليها القتيلة هي ذاتها الطفلة جهاد ، وأن والدها قد قتلها بقصد تأديبها ، وتلي ذلك محضر تحريات أخر محرر بتاريخ 15/9/1996 بمعرفة العقيد عطية رزق وكيل المباحث لقطاع شرق الإسكندرية والذي أفاد بأن الطفلة المذكورة قد عادت إلى منزل والدها يوم الحادث حيث قام بتعذيبها وضربها . حسب هذا المحضر فأن الأب قد اعترف تفصليا بجريمته وشملت اعترافاته قيامه بحلق شعرها وتوجيه اللكمات لوجهها ثم ضربها بخرطوم في أماكن متفرقة من الجسم ، ووضع ورقية في فمها لمنعها من الاستغاثة حتى فارقت الحياة ، ثم قام بوضع جثتها على عربة نصف نقل وتوجه بها إلى المصرف المواجه لمزلقان المعمورة . وقد تلي ذلك قيام الأب بتأكيد هذه الاعترافات عند سؤاله أمام النيابة العامة غير أن مفاجأة كبري كشفت زيف وتلفيق التحريات وأظهرت جسامة التعذيب الذي يمكن أن يتعرض له مواطن لإجباره على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها ولم تحدث من الأصل .

ففي خلال تفتيش دوري أجرته النيابة على قسم المنتزه 3/12/1996 تبين وجود الطفلة جهاد على قيد الحياة محتجزة مع والدتها وبسؤالهما بتحقيقات النيابة العامة قررت الطفلة جهاد أنها هربت من منزل والدها لقيامه بضربها ولقيام زوجة أبيها بتعذيبها وأضافت بأن أحد الأشخاص قد سلمها إلى قسم المنتزه وتم وضعها بمؤسسة دار توجيه الفتيات ثم هربت وذهبت لمنزل والدتها ، وعندما علمتا بأن أباها متهم بقتلها ذهبت مع أمها إلى القسم ومكثتا به رهن الاحتجاز لمدة ثلاثة عشر يوما رغم إبلاغها بأن والدها بري وأنها على قيد الحياة . وقد دفعت هذه المفاجأة الأب فى نهاية المطاف لأن ينكر أمام المحكمة ما أسند إليه من اتهام وقرر اعترافه بالنيابة كان وليد إكراه من رجال الشرطة الذين اختلقوا قصة قتله لها .

ولكن ظهور الحقيقة الدامغة التي تمثلت فى ظهور الطفلة على قيد الحياة لم يمنع رجال الشرطة من اختلاق قصة جديدة تنهي ملف جريمة قتل الطفلة المجهولة فعادوا لينسبوا للمتهم مرة أخري تهمة قتلها بدعوى أنه كان يحاول أخرج الجن من جسدها !! وهو ما وصفته المحكمة بأنها رواية هزلية جديدة تستهزئى بالعقول وتستهين بالعدالة .

وإذا كان من الطبيعي أن تنتهي المحكمة إلى براءة الأب من التهم الملفقة التي حاولت الشرطة إسنادها إليه ، فأن حيثيات الحكم كانت فى حد ذاتها إدانة دامغة لسلوك الشرطة وممارساتها حيث أكد الحكم أن الرواية الثانية التي خرج به العقيد عطية رزق تعتبرها المحكمة تأكيداً وسفورا وإمعانا فى الزيف والتلفيق من ذلك الضابط الذي لم يرع الله والضمير . أضافت المحكمة أنه من جماع ما تقدم تستطيع أن تجزم بما اعترى الأوراق من إهمال فى إجراء التحريات وتلفيق يرقى إلى مرتبة العمد حد تضليل العدالة على نحو يرفضه الضمير الحي لأي فرد من أفراد هذا الوطن وتلفظه مبادئ العدالة . كما أن الأوراق قد أسفرت عن استعمال القسوة والتعذيب مع المتهم وزوجته بلغت درجة من الجسامة أن يعترف المتهم بتفصيل غير حقيقي لجريمة لم يرتكبها .

وبموجب ذلك فأن المحكمة لم تقف عند الحكم ببراءة الأب بل قررت إعمال لحقها المقرر بالمادة (11) من قانون الإجراءات الجنائية إحالة الأوراق مرة أخرى للنيابة العامة للتحقيق فى الجرائم المنسوبة للعقيد عطية محمود رزق واخرين من رجال الشرطة الذين وردت أسماؤهم بالتحقيقات وقد أكد مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان فى بيانه أن هذا الحكم يعتبر دليلا دامغاً موثوقاً بحكم قضائي على ممارسات التعذيب وتلفيق التهم للمواطنين وتضليل العدالة أعرب عن أمله فى اتخاذ إجراءات جادة من جانب النائب العام لتحريك الدعوى الجنائية ضد الضباط المتهمين فى هذه القضية وفى عشرات من القضايا المماثلة من اجل وضع حد لأعمال التعذيب وكافة الممارسات التعسفية الأخرى من جانب الشرطة وانزال العقاب الرادع بمرتكبي تلك الجرائم حماية للحقوق والحريات العامة للمواطنين وصونا لكرامتهم0


منقول للإفادة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق